فصل: (الانشقاق: الآيات 20- 25)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[الانشقاق: الآيات 16- 19]

{فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَما وسق (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لتركبن طبقا عَنْ طبق (19)}.
الشفق: الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء، إلا ما يروى عن أبى حنيفة رضي اللّه عنه في إحدى الروايتين: أنه البياض.
وروى أسد بن عمرو: أنه رجع عنه، سمى لرقته. ومنه الشفقة على الإنسان:
رقة القلب عليه {وَما وسق} وما جمع وضم، يقال: وسقه فاتَّسَقَ واستوسق.
قال:
مستوسقات لو يجدن سائقا

ونظيره في وقوع افتعل واستفعل مطاوعين: اتسع واستوسع. ومعناه: وما جمعه وستره وآوى إليه من الدواب وغيرها {إِذَا اتَّسَقَ} إذا اجتمع واستوى ليلة أربع عشرة. قرئ: {لتركبن}، على خطاب الإنسان في {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ} و{لتركبن}، بالضم على خطاب الجنس، لأن النداء للجنس، و{لتركبن} بالكسر على خطاب النفس، و{ليركبن} بالياء على: ليركبن الإنسان. والطبق: ما طابق غيره. يقال: ما هذا بطبق لذا، أى: لا يطابقه. ومنه قيل للغطاء الطبق. وإطباق الثرى: ما تطابق منه، ثم قيل للحال المطابقة لغيرها: طبق. ومنه قوله عز وعلا {طبقا عَنْ طبق} أي حالا بعد حال: كل واحدة مطابقة لأختها في الشدّة والهول: ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة، من قولهم: هو على طبقات. ومنه: طبق الظهر لفقاره الواحدة: طبقة، على معنى: لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدّة بعضها أرفع من بعض. وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة وأهوالها.
فإن قلت: ما محل {عن طبق}؟
قلت: النصب على أنه صفة لـ: {طبقا}، أى: طبقا مجاوزا لطبق. أو حال من الضمير في {لتركبن}، أى: لتركبن طبقا مجاوزين لطبق. أو مجاوزا. أو مجاوزة، على حسب القراءة: وعن مكحول: كل عشرين عاما تجدون أمرا لم تكونوا عليه.

.[الانشقاق: الآيات 20- 25]

{فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذا قرئ عَلَيْهِمُ القرآن لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (24) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)}.
{لا يَسْجُدُونَ} لا يستكينون ولا يخضعون. وقيل. قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} فسجد هو ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤسهم وتصفر، فنزلت. وبه احتج ابو حنيفة رضي اللّه عنه على وجوب السجدة.
وعن ابن عباس ليس في المفصل سجدة.
وعن أبى هريرة رضي اللّه عنه: أنه سجد فيها وقال: واللّه ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسجد فيها.
وعن أنس: صليت خلف أبى بكر وعمر وعثمان فسجدوا.
وعن الحسن: هي غير واجبة {الَّذِينَ كَفَرُوا} إشارة إلى المذكورين {بِما يُوعُونَ} بما يجمعون في صدورهم ويضمرون من الكفر والحسد والبغي والبغضاء. أو بما يجمعون في صحفهم من أعمال السوء ويدخرون لأنفسهم من أنواع العذاب {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} استثناء منقطع.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة انشقت أعاذه اللّه أن يعطيه كتابه وراء ظهره». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إذا السماءُ انشَقّتْ}
وهذا من أشراط الساعة، قال علي رضي الله عنه: تنشق السماء من المجرة، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه محذوف الجواب وتقديره: إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير وشر.
الثاني: أن جوابه {كادِحٌ إلى ربك كدحاً}.
الثالث: معناه اذكر إذا السماء انشقت.
{وأَذِنَتْ لِرّبها وَحُقَّتْ} معنى {أَذِنَتْ لربها} أي سمعت لربها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أذن الله لشيء كإذانه لنبي يتغنى بالقرآن أي ما استمع الله لشيء»، وقال الشاعر:
صُمٌّ إذا سَمِعوا خيْراً ذُكِرتُ به ** وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عندهم أَذِنوا

أي سمعوا.
{وَحُقَّتْ} فيه وجهان:
أحدهما: أطاعت، قاله الضحاك.
الثاني: معناه حق لها أن تفعل ذلك، قاله قتادة، ومنه قول كثيّر:
فإن تكُنْ العُتْبى فأهْلاً ومرحبا ** وَحُقَّتْ لها العُتبى لديْنَا وَقَلَّت

ويحتمل وجهاً ثالثاً: أنها جمعت، مأخوذ من اجتماع الحق على نافيه وحكى ابن الأنباري أن {أَذِنَتْ لربها وَحُقَّتْ} جواب القسم، والواو زائدة.
{وإذا الأرضُ مُدَّتْ} فيها قولان:
أحدهما: أن البيت كان قبل الأرض بألفي عام، فمُدَّتْ الأرض من تحته، قاله ابن عمر.
الثاني: أنها أرض القيامة، قاله مجاهد، وهو أشبه بسياق الكلام.
وفي {مُدَّتْ} وجهان:
أحدهما: سويت، فدكّت الجبال ويبست البحار، قاله السدي.
الثاني: بسطت، قاله الضحاك، وروى علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مدّ الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه».
{وأَلقْتْ ما فيها وتَخلّتْ} فيه وجهان:
أحدهما: ألقت ما في بطنها من الموتى، وتخلت عمن على ظهرها من الأحياء، قاله ابن جبير.
الثاني: ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها وتخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها، وهو معنى قول قتادة.
ويحتمل ثالثاً: هو أعم، أنها ألقت ما استوعدت، وتخلت مما استحفظت لأن الله استودعها عباده أحياء وأمواتاً، واستحفظها بلاده مزارع وأقواتاً.
{يا أيها الإنسانُ إنك كادِحٌ إلى ربك كدْحاً فملاقيه} فيه قولان:
أحدهما: إنك ساعٍ إلى ربك سعياً حتى تلاقي ربك، قاله يحيى بن سلام، ومنه قول الشاعر:
ومَضَتْ بشاشةُ كلِّ عَيْشٍ صالحٍ ** وَبقيتُ أكْدَحُ للحياةِ وأَنصب

أي أعمل للحياة. ويحتمل قولاً ثالثاً: أن الكادِحٌ هو الذي يكدح نفسه في الطلب إن تيسّر أو تعسّر.
{فأمّا مَنْ أَوتي كتابه بيمينه} روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«يعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وفي الثالثة تطير الكتب من الأيدي، فبين آخذٍ كتابه بيمينه، وبين آخذٍ كتابه بشماله».
{فسوف يُحاسَبُ حِساباً يَسيراً} وفي الحساب ثلاثة أقاويل:
أحدها: يجازى على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات، قاله الحسن.
الثاني: ما رواه صفوان بن سليم عن عائشة قالت: سئل رسول الله عن الذي يحاسب حساباً يسيراً، فقال: «يعرف عمله ثم يتجاوز عنه، ولكن من نوقش الحساب فذلك هو الهالك».
الثالث: أنه العرض، روى ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال: «ذلك العرض يا عائشة، من نوقش في الحساب يهلك».
{وَيَنقَلِبُ إلى أهْلِه مَسْروراً} قال قتادة: إلى أهله الذين قد أعدهم الله له في الجنة.
ويحتمل وجهاً ثانياً: أن يريد أهله الذين كانوا له في الدنيا ليخبرهم بخلاصه وسلامته.
{إنَّه ظَنَّ أن لن يَحُورَ} أي لن يرجع حياً مبعوثاً فيحاسب ثم يثاب أو يعاقب، يقال: حار يحور، إذا رجع، ومنه الحديث: «أعوذ بالله من الحْور بعد الكْور»، يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، وروي: «بعد الكوْن»، ومعناه انتشار الأمر بعد تمامه.
وسئل معمر عن الحور بعد الكْون فقال: الرجل يكون صالحاً ثم يتحول امرء سوء.
وقال ابن الأعرابي: الكُنْنّي: هو الذي يقول: كنت شاباً وكنت شجاعاً، والكاني: هو الذي يقول: كان لي مال وكنت أهب وكان لي خيل وكنت أركب، وأصل الحور الرجوع، قال لبيد:
وما المرءُ إلا كالشهاب وضوئه ** يَحُورُ رماداً بَعْد إذ هو ساطعُ.

وقال عكرمة وداود بن أبي هند: يحور كلمة بالحبشية، ومعناها يرجع وقيل للقصار حواري لأن الثياب ترجع بعمله إلى البياض.
{بلى إنّ ربّه كان به بَصيراً} يحتمل وجهين:
أحدهما: مشاهداً لما كان عليه.
الثاني: خبيراً بما يصير إليه.
{فلا أُقْسِمُ بالشّفَقِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه شفق الليل وهو الحمرة، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه بقية ضوء الشمس، قاله مجاهد.
الثالث: أنه ما بقي من النهار، قاله عكرمة.
الرابع: أنه النهار، رواه ابن أبي نجيح.
{واللّيلِ وما وسق} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: وماجمع، قاله مجاهد، قال الراجز:
إن لنا قلائصاً حقائقا ** مستوسقات أو يجدن سائقا

الثاني: وما جَنّ وستر، قاله ابن عباس.
الثالث: وما ساق، لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مأواه، قاله عكرمة. الرابع: وما عمل فيه، قاله ابن جبير، وقال الشاعر:
ويوماً ترانا صالحين وتارةً ** تقوم بنا كالواسق المتَلَبّبِ

أي كالعامل.
{والقَمَرِ إذا اتَّسَقَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: إذا استوى، قاله ابن عباس، وقولهم اتَّسَقَ الأمر إذا انتظم واستوى.
قال الضحاك: ليلة أربع عشرة هي ليلة السواء.
الثاني: والقمر إذا استدار، قاله عكرمة.
الثالث: إذا اجتمع، قاله مجاهد، ومعانيها متقاربة.
ويحتمل رابعاً: إذا طلع مضيئاً.
{لتركبن طبقا عَنِ طبق} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: سماء بعد سماء، قاله ابن مسعود والشعبي.
الثاني: حالاً بعد حال، فطيماً بعد رضيع وشيخاً بعد شاب، قاله عكرمة، ومنه قول الشاعر:
كذلك المرءُ إن يُنْسَأ له أجَلٌ ** يَرْكبْ على طبق مِن بَعْده طبق

الثالث: أمراً بعد أمر، رخاء بعد شدة، وشدة بعد رخاء، وغنى بعد فقر، وفقرا بعد غنى، وصحة بعد سقم، وسقماً بعد صحة، قاله الحسن.
الرابع: منزلة بعد منزلة، قوم كانوا في الدنيا متضعين فارتفعوا في الآخرة، وقوم كانوا مرتفعين في الدنيا فاتضعوا في الآخرة، قاله سعيد بن جبير.
الخامس: عملاً بعد عمل، يعمل الآخر عمل الأول، قاله السدي.
السادس: الآخرة بعد الأولى، قاله ابن زيد.
السابع: شدة بعد شدة، حياة ثم موت ثم بعث ثم جزاء، وفي كل حال من هذه شدة، وقد روى معناه جابر مرفوعاً.
{واللهُ أعْلَمُ بما يُوعُونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: بما يُسِرون في قلوبهم، قاله ابن عباس.
الثاني: بما يكتمون من أفعالهم، قاله مجاهد.
الثالث: بما يجمعون من سيئاتهم، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع ما فيه وهو معنى قول ابن زيد.
{فلهم أَجْرٌ غيرُ ممنون} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: غير محسوب، قاله مجاهد.
الثاني: غير منقوص، قاله السدي.
الثالث: غير مقطوع، قاله ابن عباس.
الرابع: غير مكدّر بالمن والأذى، وهو معنى قول الحسن. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إذا السماء انشقت}
قال المفسرون: انشقاقها من علامات الساعة.
وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن.
[الفرقان: 225، الرحمن: 37، الحاقة: 16] {وأَذِنَتْ لربها} أي: استمعت وأطاعت في الانشقاق، من الأذن، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه، وأنشدوا:
صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بِهِ ** فَإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُم أَذِنُوا

{وَحُقَّتْ} أي: حقَّ لها أن تُطيع ربَّها الذي خلقها {وإذا الأرض مُدَّتْ} قال ابن عباس: تُمَدُّ مَدَّ الأديم، ويزاد في سَعَتها، وقال مقاتل: لا يبقى جبل ولا بناءٌ إلا دخل فيها.
قوله تعالى: {وأَلْقَتْ ما فيها من الموتى} والكنوز {وتخلَّتْ} أي: خلت من ذلك، فلم يبق في باطنها شيء.
واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال.
أحدها: أنه متروك، لأن المعنى معروف قد تردَّد في القرآن.
والثاني: أنه {يا أيها الإنسان} كقول القائل، إذا كان كذا وكذا في أيها الناس تَرَوْن ما عملتم، فيجعل: {يا أيها الإنسان} هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، كأن المعنى: يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت، وذكر القولين الفراء.
والثالث: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، تقديره (يا أيها الإنسان إنك كادِحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت) قاله المبرد.
والرابع: أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى: {فملاقيه}.
فالمعنى: إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {إنك كادِحٌ إلى ربك كدحاً} فيه قولان.
أحدهما: إنك عامل لربك عملاً، قاله ابن عباس.
والثاني: ساعٍ إلى ربك سَعْياً، قاله مقاتل.
قال الزجاج: و(الكدح) في اللغة: السعي، والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة.
قال تميم بن مقبل:
وَمَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فمِنْهما ** أَمُوت وأُخرى أَبْتَغي العَيْشَ أَكْدَحُ

وفي قوله تعالى: {إلى ربك} قولان.
أحدهما: عامل لربك، وقد ذكرناه عن ابن عباس.
والثاني: إلى لقاء ربك، قاله ابن قتيبة.
وفي قوله تعالى: {فملاقيه} قولان.
أحدهما: فملاقٍ عَمَلَكَ.
والثاني: فملاقٍ ربَّك، كما ذكرهما الزجاج.
قوله تعالى: {فسوف يحاسَب حساباً يسيراً} وهو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له.
وفي (الصحيحين) من حديث عائشة، قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش الحساب هلك، فقلت: يا رسول الله، فإن الله يقول: فسوف يحاسب حساباً يسيراً. قال: ذلك العرض».
قوله تعالى: {وينقلب إلى أهله} يعني: في الجنة من الحور العين والآدميات {مسروراً} بما أُوتي من الكرامة {وأما من أُوتي كتابه وراء ظهره} قال المفسرون: تُغَلُّ يده اليمنى إلى عنقه، وتجعل يده اليسرى وراء ظهره {فسوف يدعو ثبوراً} قال الزجاج: يقول: يا ويلاه، يا ثبوراه، وهذا يقوله كلُّ من وقع في هلكة.
قوله تعالى: {ويصلى سعيراً} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي، {ويُصُلَّى} بضم الياء، وتشديد اللام.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة {ويصلى} بفتح الياء خفيفة، إلا أن حمزة والكسائي يميلانها.
وقد شرحناه في سورة [النساء: 11].
قوله تعالى: {إنه كان في أهله} يعني في الدنيا {مسروراً} باتباع هواه، وركوب شهواته.
{إنه ظن أن لن يحور} أي: لن يرجع إلى الآخرة، ولن يبعث وهذه صفة الكافر.
قال اللغويون: الحور في اللغة: الرجوع، وأنشدوا للبيد:
وَمَا المرْء إِلا كالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ ** يَحُورُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ

قوله تعالى: {بلى} قال الفراء: المعنى: بلى ليحورون، ثم استأنف، فقال تعالى: {إن ربه كان به بصيراً} قال المفسرون: بصيراً به على جميع أحواله.
قوله تعالى: {فلا أقسم} قد سبق بيانه.
فأما (الشفق) فقال ابن قتيبة: هما شفقان: الأحمر، والأبيض، فالأحمر: من لدن غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء ثم يغيب، ويبقى الشفق الأبيض إلى نصف الليل.
وللمفسرين في المراد (بالشفق) هاهنا ستة أقوال.
أحدها: الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس.
وقد روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الشفق: الحمرة»، وهذا قول عمر، وابنه، وابن مسعود، وعبادة، وأبي قتادة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وابن المسيب، وابن جبير، وطاووس، ومكحول، ومالك، والأوزاعي، وأبي يوسف، والشافعي، وأبي عبيد، وأحمد، وإسحاق، وابن قتيبة، والزجاج.
قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ: كأنه الشفق، وكان أحمر.
والثاني: أنه النهار.
والثالث: الشمس، روي القولان عن مجاهد.
والرابع: ما بقي من النهار، قاله عكرمة.
والخامس: السواد الذي يكون بعد ذهاب البياض، قاله أبو جعفر محمد ابن علي.
والسادس: أنه البياض، قاله عمر بن عبد العزيز.
قوله تعالى: {والليل وما وسق} أي: وما جمع وضم.
وأنشدوا:
إنَّ لنا قَلائصَاً حَقَائِقا ** مُسْتَوسقاتٍ لو يَجِدْنَ سَائِقَا

قال أبو عبيدة: {وَمَا وسق} ما علا فلم يمنع منه شيء، فإذا جلل الليل الجبال، والأشجار، والبحار، والأرض، فاجتمعت له، فقد وسقها.
وقال بعضهم: معنى: {ما وسق}: ما جمع مما كان منتشراً بالنهار في تصرفه إلى مأواه.
قوله تعالى: {والقمر إذا اتَّسَقَ} قال الفراء: اتساقه: اجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، إلى ست عشرة.
قوله تعالى: {لتركبن طبقا عن طبق} قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي {لتركبن} بفتح التاء والباء، وفي معناه قولان.
أحدهما: أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم في معناه قولان.
أحدهما: لتركبن سماءً بعد سماءٍ، قاله ابن مسعود، والشعبي، ومجاهد.
والثاني: لتركبن حالاً بعد حال، قاله ابن عباس، وقال: هو نبيُّكم.
والقول الثاني: أن الإشارة إلى السماء.
والمعنى: أنها تتغير ضروباً من التغيير، فتارة كالمُهْل، وتارةً كالدِّهان، روي عن ابن مسعود أيضًا.
وقرأ عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر {لتركبن} بفتح التاء، وضم الباء، وهو خطاب لسائر الناس.
ومعناه: لتركبن حالاً بعد حال.
وقرأ ابن مسعود، وأبو الجوزاء، وأبو الأشهب، {ليركبَنّ} بالياء، ونصب الباء.
وقرأ أبو المتوكل، وأبو عمران، وابن يعمر {ليركبُنَّ} بالياء، وضم الباء.
و(عن) بمعنى: (بعد).
وهذا قول عامة المفسرين واللغوين، وأنشدوا للأقرع بن حابس.
إنّي امْرُؤٌ قد حَلَبْتُ الدَّهْرَ أَشْطَرَهُ ** وَسَاقَنِي طبق منه إلى طبق

ثم في معنى الكلام خمسة أقوال.
أحدها: أنه الشدائد، والأهوال، ثم الموت، ثم البعث، ثم العرض، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الرخاء بعد الشدة، والشدة بعد الرخاء، والغنى بعد الفقر، والفقر بعد الغنى، والصحة بعد السقم، والسقم بعد الصحة، قاله الحسن.
والثالث: أنه كون الإنسان رضيعاً ثم فطيماً ثم غلاماً شاباً ثم شيخاً، قاله عكرمة.
والرابع: أنه تغير حال الإنسان في الآخرة بعد الدنيا، فيرتفع من كان وضيعاً، ويتضع من كان مرتفعاً، وهذا مذهب سعيد بن جبير.
والخامس: أنه ركوب سنن من كان قبلهم من الأولين، قاله أبو عبيدة.
وكان بعض الحكماء يقول: من كان اليوم على حالة، وغداً على حالة أخرى، فليعلم أن تدبيره إلى سواه.
قوله تعالى: {فما لهم} يعني: كفار مكة {لا يؤمنون} أي: لا يؤمنون بمحمد والقرآن، وهو استفهام إنكار {وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون} فيه قولان.
أحدهما: لا يصلُّون، قاله عطاء، وابن السائب.
والثاني: لا يخضعون له، ويستكينون، قاله ابن جرير، واختاره القاضي أبو يعلى.
قال: وقد احتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة، وليس فيها دلالة على ذلك، وإنما المعنى: لا يخشعون، ألا ترى أنه أضاف السجود إلى جميع القرآن، والسجود يختص بمواضع منه.
قوله تعالى: {بل الذين كفروا يكذِّبون} بالقرآن، والبعث، والجزاء {والله أعلم بما يوعون} في صدورهم ويضمرون في قلوبهم من التكذيب.
قال ابن قتيبة: {يوعون}: يجمعون في قلوبهم.
وقال الزجاج: يقال: أوعيت المتاع في الوعاء، ووعيت العلم.
قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} أي أخبرهم بذلك.
وقال الزجاج: اجعل للكفار بدل البشارة للمؤمنين بالجنة والرحمة، العذابَ الأليم.
و(الممنون) عند أهل اللغة: المقطوع. اهـ.